الأم : أتذكرت الآن أن لديك إبنة أخ تكلم .. قل .. ماذا تريد؟؟!
قال العم وهو يخطو بخطوه إلى الأمام لداخل البيت وفي عينيه المكر : ألن تسمحآ لي بالدخول ؟
حنا بلهجه مليئه بالرعب من الموقف : توقف ، ماذا تريد؟ ، أنا لا أعرفك ، ثم لماذا تتصرف بهمجيه وبلا إحترامٍ لنا؟؟
رد العم بسرعه والغضب بدأ بالظهور عليه : لم آتِ لأطيل الحديث أنا عمك كما تعلمين
ولقد جئت حاملاً إليك بعض الأنباء ، توفي أخي .. زوجك السابق .. وأبوك أيتها الصغيره ..
وهاأنا جئت أتولى رعاية إبنة أخي التي.....قاطعته الأم وهي تقول : ترعاها؟ منذ متى وأنت تعرفها حتى ترعاها؟
هذه إبنتي وقد توليت رعايتها منذ أن كانت صغيره ولن أسمح لك بأخذها أو الإضرار لها..
العم : الفتاة لي فأنت بالكاد تحمين نفسك وترعين مصالحك حتى تملكين القدره على حمايتها ..
وهناك سبب آخر فقد تقدم أحد لخطبتها .. أعني أني وجدت زوجاً لها ..
الأم : زوج؟!! .. العم : نعم ، إنه إبن زوجتي شاب صالح ,, مهذب ,, ....
ولم يكد يكمل جملته حتى صرخت حنا وهي تقول : من أنت حتى تملي عليي ماأفعل؟؟
أنا لا أريد الزواج بأي شخص خصوصاً من طرفك..
الأم : أنا أعرفك أكثر من أي شخص آخر أعلم غايتك من هذا الحديث وأخبرك من الآن أنه حديث عقيم
لن تخرج منه بشيء فإذا كنت تعتقد بأن أخوك قد ترك شيئاً هنا لإبنتي من مال أو ورث فأنت مُخطئ ،
وحتى لو ترك فلن تحصل على شيء ، والآن اخرج قبل أن نضطر لطردك ..
فخرج ذلك الرجل الغريب وهو يقول : سنلتقي يوماً ما سنلتقي ..
لكنه ذهب بلا رجعه .. ذهب إلى الأبد ..
توجهت حنا نحو غرفتها وهي تذرف الدموع ، لم تكن تهتم بما قاله عمها ،
ولكنها كانت تذرف دموعها على خدها كوادي أصابه المطر فجرى فيه سيلاً ، وباتت طول الليل
منذ جائها نبأ وفاة والدها تعزي نفسها بتلك الدموع والذكريات الجميله معه ،
مع أها ذكريات قليله لو سطرت حروفاً لملأت عدة وريقات ولكنها عنت لها الكثير..
عنت لها...كتاب...قصه...بل تاريخاً جميلاً...تتمنى أن يعيد الزمن نفسه لتعيشها مره أخرى..
.
.
مرت الأيام وانتهت تلك الإجازه الطويله التي قضتها دون أن تتحدث أو ترى والدها
نثرت ذكراه مع نسيم الفجر ، بدأت السنه الجديده هي السنه الحاسمه بالنسبه لها ولوالدتها ، سنتها الأخيره
بذلت كل جهدها وحاولت والدتها أن توفر لها كل ماتحتاج إليه وكل ماتريد، لم يكن كل ذلك غايتها
ولكن دعاء والدتها ذلك الدعاء الذي كانت تستمتع به والذي يبث بداخلها الأمل والحماس،
كانت محجبه بذلك النور الذي في وجهها والشيب الذي انتشر في خصلات شعرها السوداء،
وهاقد مرت الأيام يوماً..بعد يوم، واقتربت أيام الإختبارات فبذلت كل جهدها لتبدأ بتحقيق أول خطوه من خطوات نجاحها، مرت تلك الأيام بصعوبه وبدأت تنتظر يوم النتيجه، وجاء ذلك اليوم لم تستطع حنا النوم فكانت ملقيه بجسدها على سريرها تفكر في كل مامر بها في حياتها وهي قلقه الآن على حياه جديده، دخلت والدتها عليها وهي تقول :
استيقظي ياحنا لأداء صلاة الفجر إنها الخامسه، ردت حنا أنا مستيقظه، جلسن والدتها بقربها وهي تقول :
أم تستطيعي النوم؟؟، حنا : لا... أنا قلقه جداً، الأم : لا تخافي سيكون كل شيء بخير فإن الله لا يضيع جهد العاملين
هيا قومي لأداء الصلاة، جرت حنا خطواتها والدقائق تمر ببطئٍ شديد، أدت صلاتها
وتناولت إفطاها مع والدتها وأعدت نفسها للخروج..
كان بداخلها إحساس غريب .. الخوف .. الحماس .. التوتر .. الغرابه ..، نظرت لوالدتها وقبلت جبينها
وكأنها المره الأولى والأخيره التي سترى والدتها فيها، كأنها ستسافر إلى مكان بعيد لارجعه منه،
حضنتها بقوه وضمتها والدتها إالى صدرها وهي تدعو كعادتها: (( ربنا يوفقك يابنتي ))..
ثم أشاحت بنظرها على والدتها وأغلقت الباب خلفها وخرجت دمعه حزينه من عينيها ولكنها لم تكن تعلم ماسببها..
.
.
وصلت لمدرستها وهي مرتبكه تنظر لصديقاتها ولكنها تتحاشى التحدث معهن حتى لا يزيد توترها،
دخلت لغرفة تسليم الدرجات وسألت المعلمه عن شهادتها، المعلمه : ماإسمك؟؟ حنا : اسمي حنا يوسف،
المعلمه : هاهي مبروك نجحتي بنسبه عاليه، سحبت حنا شهادتها وهي تقول : ماذا كم..دعيني أرى..
وتأملت في شهادتها وخرجت وهي تجري كالريح تصطدم بهذا وذاك وتعتذر من هذا وذاك..
.
.
في هذه الأثناء خرجت والدتها من تلك الشقه الصغيره التي كان أجارها يرتفع يوماً بعد يوم،
متوجهه إلى ذلك المحل الذي يبيع الحلوى باهظة الثمن، المحل الذي يقع بجانب مقر عملها ..
لم تكن مطالب الحياه قد تركت لها أموالاً طائله من عملها البسيط سوى ريالات قليله تكفيها لشراء الطعام
وبعض الضروريات، وفعلاً وضعت خمارها عليها وخرجت وكلها أمل بإبنتها، عبرت تلك المسافه وابتاعت
لها الكعكه التي لطالما تمنتها ورغبت في تناول شيءٍ منها ..
.
.
في ذلك الوقت .... وصلت حنا إلى باب العماره لتجد إبن جارتها يقول لها : أمك هناك...وأشار بإصبعه إلى محل الحلوى نظرت إليها وشاهدت والدتاه من خلف الزجاج الشفاف وهي تقصد الباب للشارع،
بدأت حنا تنادي والدتها وهي تقطع منتصف الطريق لتلتفت لمن يناديها ولم تنتبه لتلك السياره المسرعه
لتصدمها في لحظات ويتناثر مابيدها على جانبي الطريق ويصدم رأسها بطرف الرصيف،
لم تستطع حنا الصراخ من هول المنظر جرت نحوها وهي تبكي وقلبها يخفق أكثر فأكثر
أمسكت جبين والدتها بيد وبيدها الأخرى كانت تمسك شهادتها، صرخت تطلب المساعده ولكن صوتها للريح كان أقرب، لم يسمعها أحد بإستثناء رجل عجوز رُسمت السنون على وجهه وتضاريس الزمن،
فاقترب منها وحملها إلى سيارته وحنا تحاول أن تمسح دموعها بكمي قميصها الملطخ بدماء أمها
وصلت للمشفى وأدخلت والدتها لغرفة العنايه الفائقه وخرجت وبعد وقت طويل حيث كانت حنا في أثناء ذلك الوقت تستعيد دعاء والدتها واللحظات الجميله معها تفكر كيف حالها وهل ستكون معها أم؟ لا، قاطعها الرجل العجوز الذي لم يكن يمت لها بصله وهو يدعو لوالدتها بالشفاء فشكرته على معروفه وظلت مصدومه ولا تعرف كيف تواجه قدرها
.
.
مرت أيام حتى قرر الطبيب المشرف على والدتها أن يصارحها بالحقيقه واقترب منها ليحدثها بنبره ملؤها الأسفوهو يقول : لا فائده من حياة والدتك أنا آسف لقول هذا ولكنها ميته دماغياً
حنا : ماذا تعني بذلك؟؟
كانت تعرف عن ماذا كان الطبيب يتكلم ولكنها تحاول أن تنكر ماتسمعه..
رد الطبيب قائلاً: لا يوجد سبب لحياة والدتك الآن أعضاؤها الحيويه ميته ودماغها كذلك
فقط قلبها الذي ينبض بلا حياة ..لا تستطيع التنفس سوى بوجود الآلات لذا سنضطر لإزالة الأجهزه فهذا أفضل لها،
لا أظن أنها تريد أن تكون هذه حياتها وهذه نهايتها، فما رأيك؟؟ ماذا..ردي..، ردت حنا بلهجه كلها شرود :
إفعل ماتراه مناسباً...فهذه هي النهايه قالتها في داخل قلبها ..
.
.
دخلت لتوديع والدتها ولتلقي النظره الأخيره عليها لم تستطع أن تتمالك نفسها فأخرجت شهادتها من جيبها
وبدأت تحدث أمها وتقرأ لها ماكتب فيها، أمسكت بيد والدتها اليمنى وبيدها الأخرى أمسكت شهادتها
التي كان من المفروض أن تمسكها والدتها،
يالسخرية القدر!!..
يجمع بين الفرح والحزن,, الأمل واليأس,, الموت والحياة
.
.
رجعت حنا لشقتها الصغيره كانت تنتظر أن تسمع صوت والدتها ولكن ...
عاشت لحظات من الألم والحزم والوحده ولكنها كانت تعزي نفسها بدعاء والدتها لها (( الله يوفقك دنيا وآخره ))
تذكرت ماتعلمته من والدتها من تقدير الحياة والطموح، تذكرت حلمها معاً بأن تكونطبيبه ماهره،
وفعلاً هذا ماتم لها فقد كانت تملك كل المواهب التي تجعل منها مبدعه في ذلك المجال..
دخلت كلية الطب وحضرت دراستها العليا، وكان دعمها الوحيد ذكرى والدتها بعد توفيق الله لها..
.
.
نعم سلكت درباً طويلاً شائكاً ولكنها حققت حلمها، ورمت بالكسل عرض الحائط
لتجد نفسها بعد أن أصدرت حكماً على اليأس بالموت شنقاً..
قد وصلت لما تريد طبيبه ماهره وتملك مشفاها الخاص..
أم لطفلين صبي أسمته يوسف وفتاة أسمتها مريم
.
.
ولكنها لم تستطع التغلب على مشاعر أقوى من عزيمتها ورغبتها في الحياة
حيث كانت تجلس وبعد نهاية كل يوم لتناجي ضوء القمر كما كانت تفعل سابقاً،
تحدث نفسها وتعيد ذكرياتها مع من كانت تحب ومن ظلت تحبهم،
ومن أرادت أن تشاركها هذا النجاح وهي تردد:
.
.
أناجيك أمي في بعدتي في غربتي في ظلمة الليل العتيم الأسود
تناجيك روح أفاقت بعد هجر بلا أمل وقلب تقطعت به السبل لزوال عشقه
يناجيك فؤاد كنت انت زاده وجسد بلا حراك كنت انت روحه
يناديك طفل بداخلي بصوت هامس لحضن دافئ لشوق جامح كالسيف جارف
أماه مسحتي على رأسي وأزلت همي ورسمت قبله على جبيني أضاءت دربي
أوآآآه منك فأنت الدواء لكل داء وأنت الجنه التي برضاها أرضي ربي
إليك كان المرتجى بعد الإله الواحد فمن لي من بعدك أبكي على حضنه وأشكي
تقتص مني الكلمات كوني نطقتها وصفاً لك وأنت تستحقين الأفضل
.
[size=16].[/size